رواية المخلوق الأثيري 3D خمسة أجزاء كاملة

 


" رواية المخلوق الأثيري "


للكاتب : محمد فيوري


التصنيف  : خيال علمي

" دراما إنسانية فلسفية "


اللغة : عامية مصريه ، فصحي


الجزء : 5.4.3.2.1


السن : جميع الأعمار

" شارك فيها القراء بالتصويت "


الأجزاء : 6 +


تاريخ النشر : 2 - 6 - 2015



" نحن نهتم أن تتخيل ما تقرأ "


 

في يوم ممطر وشديد ألبرودة ، وكان ألوقت لليل وكنت أعبر أنا من فوق قرية صغيرة يعيش بها ناس

علي ما يبدو إنهم متواضعون وبسطاء ، وتحيط بتلك ألقرية ألحقول وألزراعات ألكثيرة وألترع ألمائية

من كل ألجوانب وألإتجهات فقلت لنفسي سأختار بيت من البيوت وأدخله من غير لا إحم ولا دستور ..

عذراً .. نسيت أعرفكم على نفسي

 

أنا عبارة عن مخلوق أثيري أتحرك في ألهواء ، حجمي كحجم كرة ألقدم ، لا يراني أحد ، لا يسمعني

أحد ، لا يشعر بي أحد ، لا يؤثر في أحد ، وأنا أيضاً لا اؤثر في أحد ، أمتلك سرعة رهيبة ، وأرى

بطريقة غريبة ، فأنا أرى بطريقة التكبير والتصغير "زوم" لتقريب ألرؤية جداً جداً أو لإبعادها جداًجداً

ومن ألممكن أيضا أن أجعل ألزمن يتوقف و كل شيء حولي يتوقف عن ألحركة ويصبح في حالة

سكون و تجمد ، ثم إعادة ألزمن للحركة مرة أخرى ، لا طعام لي ولا شراب ، لا أتأثر بأي نوع من

أنواع ألمشاعر ، أنا أفهم كل شيء وأعلم كل شيء ، وأفهم جميع لغات ألعالم .

 

ألمهم عبرت من النسيج الخشبي لباب ألبيت ودخلت ، و صعدت إلى ألسقف وبقيت في نقطة وسط

ألسقف تماماً ، لأرى ألروئية من ألاعلى ومن جميع ألإتجاهات فنظرت بحركة دائرية لأستكشاف ما

يدور بداخل هذا ألبيت ، فوجدت نفسي داخل بيت يسكنه ناس فقراء ، ألإضاءة فيه ضعيفة جداً

وألحوائط لونها أزرق غامق وقديم وألطلاء متقشر ومتساقط ، ووجدت دكة خشبية ، و فتاة يبدو إنها

تبلغ من ألعمر ستة أعوام ، كانت نائمة على ألارض بجوار ألدكة وتضع يدها تحت وجهها وتشاهد

ألتلفاز ألموجود أمامها بزاوية ألمنزل ، وفي ألزاوية ألمجاورة وجدت رجلا عجوز جالس على سجادة

صلاة رافعاً يده علي ما يبدو إنه يدعو الله . فركزت رؤيتي على وجه ألرجل ألعجوز وإقتربت بالرؤية

"زوم" على وجهه فقط ، فوجدت دموعه تتساقط بشدة وهو يبكي ، فرجعت بالرؤية لمكاني في ألسقف

ونظرت بإتجاه تلك ألفتاة ألصغيرة ومازالت تشاهد ألتلفاز ، فتحركت بسرعة ليصبح مكاني على ألسقف

فوق ألتلفاز تماما و نظرت إليها إلى ألأسفل لأتعرف على شكلها ووجهها ، وركزت رؤيتي على وجهها

واقتربت بالرؤية "زوم" على وجهها فقط ، فوجدتها فتاة صغيرة جميلة ألملامح تتأوه وتتوجع بهدوء

ودموعها تتساقط هي ألآخرى وكأنها تتألم من شيئاً ما ، رجعت بالرؤية لمكاني في ألسقف وتسائلت في

بالي ما ألموضوع ، فوجدت ألرجل ألعجوز ، أنهى صلاته ودعائه ووقف ووضع سجادة ألصلاة فوق

كرسي خشبي قديم لونه بني ، ثم توجه ببطء إلى دولاب صغير وأخذ من داخله كيس نايلون صغير

 بداخله شيء ما ، ثم توجه بالقرب من تلك ألفتاة وجلس على ألدكة الخشبية  وقال :

 

" قومي يا  نيفين  يابنتي شوفي أنا جيبلك إيه سندوتش حلاوة إللي أنتي بتحبيه تعالي جنبي هنا تعالي " ..

 

فقامت ألفتاة  وصعدت فوق ألدكة ألخشبيه ووضعت رأسها على كتف ألرجل ألعجوز

وهي تبكي وقالت :

" يا جدي أنا تعبانه تعبانه بطني بتوجعني جامد ومستنيه إني أموت كل يوم ومش بموت

 أنا ليه عايشه كده !. " ..

 

قال لها :

" لاء لاء هزعل منك يابنتي ليه تقولي كده ، حرام عليكي تقولي الكلام ده ، أنتي بنت شطره ومتدينة

أنا قربت أحوش ألفلوس خلاص وهنروح للدكتور ويعملك ألعمليه وهتكبري وتبقي دكتورة قد الدنيا

لازم تكلي علشان خطري " .

 

قالت له :

 " لاء أنا هاخد قضمه واحده بس وأنام هنا جانبك وإياك تبعد عني أتفقنا يا جدي ولا لاء " ..

 

قال لها :

" أتفقنا يا حبيبتي " ..

ثم قام بتقبيلها علي رأسها وأخذت نيفين ألقضمة ووضعت رأسها على قدميه .

 

مازلت أنا في موضعي موجود على السقف فوق التلفاز لن أتحرك من مكاني ، لكن تلك الفتاة ما بها

وما اسم جدها الرجل العجوز ، وماذا يعمل ، ولماذا يعيشان وحدهما و لا يوجد احد معهم ؟ .. أسئلة

كثيرة يبدو أنني دخلت البيت في وقت متأخر ، لا ادري الأن أبقى داخل المنزل إلى الصباح أم أرحل

وأذهب الى المدن الساهرة .. عذراً عذراً ، قام الرجل العجوز للتو ووقف ليضع رأس نيفين فوق الوسادة

وهي نائمة فوق الدكة ويغطيها ويقبلها من رأسها ثم يغلق التلفاز ويجلس على الأرض بهدوء ، ثم ينام

على الأرض ويضع يداه تحت رأسه ، علي ما يبدو أن المنزل لا يوجد به أي غرف للنوم ، فهو مقسم

من غرفة واحدة وحمام فقط ... ماذا أفعل الأن البيت في سكون تام .

 انا سأرحل إلى مكان أخر وسأعود في الصباح لأعرف ما هي قصتهم .

 

***

 

بسرعة رهيبة اخترقت نسيج الباب وصعدت فوق فوق فوق في السماء طائر فالهواء بسرعتي الرهيبه

وكانت قطرات المطر تأتي أمامي كأنها خطوط ثابتة وانا أعبر الزراعات والبيوت البسيطه لأترك القرية

وادخل أجواء المدينة المليئة بالأضواء والزحام والبنايات الشاهقة وألوان أضواء السيارات والإعلانات

أراها من الأعلى كأنها مجرد خطوط حمراء وصفراء فقط لسبب سرعتي المهولة ، وصلت إلى قلب

المدينة لأرى بناية أمامي كانت تملؤها الأضواء فإخترت نافذة عشوائيا ودخلت من نسيج الزجاجي

وإتجهت إلى السقف وتمركزت في الوسط ، لأستكشف ما يدور بالداخل ، نظرت بحركة دائرية بهدوء

في كل الإتجهات ، لأري مايكرويف شغال في المطبخ وموسيقي صاخبة و علي ما يبدو لا يوجد أحد في

الريسبشن ، فنظرت تحتي تماماً ، فوجدت شاب يعانق فتاة ويقبلها وهم في وضع حميمي نائمون على

الأرض وغارقين في " اللي هما بيعملوه" . هممم !!..  أنا لا أريدك عزيزي القارئ أن ترى تلك المشاهد

معي ، فأنا تعودت عليها كثيراً فلا داعي أن نضيع وقتنا هنا الأن ... إعذرني .. هيا بِنَا .....

........  يا أخي هيا بِنَا الله يهديك !! ..

 

اخترقت أنسجة الحائط بهدوء وبقيت خارج البناية العالية ثابت في الهواء لا أتحرك ، وأصبحت البنّاية

خلفي ، أفكر أين أذهب وأين أتجول وانا أشاهد أضواء المدينة في الليل من الأعلى ، فتوجهت سريعاً

سريعاً إلى الأسفل وأتجهت بسرعتي بالقرب من الأرض وإلى وسط طريق مزدحم بالسيارت المسرعة

وهي قادمة أمامي عكس الإتجاه لأخترق جميع السيارت وانا أسمع أصوات متعددة من الأبواق وأرى

أضواء مختلفة قادمة أمامي واسمع جميع كلمات الناس المتداخلة داخل السيارات ، ثم صعدت إلى

الأعلى سريعاً سريعاً سريعاً لأبتعد عن تلك الضوضاء مع تغيير إتجاهي لأصبح متجهاً إتجاهاً افقياً

وبسرعتي عبرت فوق جميع المدن ثم عبرت المحيط في ثانية لأجد ضوء قادم أمامي ثم أصبح ضوء

النهار يضيء كل شيء من حولي ووصلت إلى بلدة من البلدان يبدو أن الشمس مازالت ساطعه بها ، ثم

توجهت إلى الأسفل لأرى أنني إقترب من مكان به ألوان كثيرة ومختلفة .. ما هذا المكان ؟ ، فإقتربت

أكثر إلى الأسفل ، علي ما يبدو إنها مزارع شاسعة من الورود ويوجد بها فتيات يعملون ، سأختار فتاة

وأرى ما تقوم به من عمل ..

 

توجهت ناحية فتاة متواجدة وسط الزراعات الشاسعة وتحيطها ورود مختلفة الألوان من كل الجهات

وكنت أمامها بمسافة تبعد مترين . فجعلت الزمن يتوقف وكل شيء أصبح ثابت عن الحركة تماماً

فأصبحت الطيور خلف الفتاة ثابتة في السماء ، وأصبحت حركة الورود والفراشات التي تتحرك في

الهواء ثابتة وحركت الفتيات الأخريات عالقة وثابتة بمواضع مختلفة ، إبتدأت أتحرك بهدوء بحركة

دائرية وكانت الفتاة أمامي هي محور الدائرة ، نظرت إليها من الأمام فهي كانت تضع يدها على الأذن

اليمنى وعيونها كانت زرقاء ، و من ناحية اليسار ترتدي حلق ذهبي مختلف الألوان ومن ناحية الخلف

شعرها ناعم طويل ثابت في الهواء ومن ناحية اليمين يبدو إنها فقدت الحلق الأخر لذلك كانت تضع

يدها لتتأكد ، ثم تحركت سريعاً حولها ثلاث مرات وتوقفت ببطء أمام وجهها تماماً ليعود كل شيء

للحركة فالطيور طارت ورحلت والفراشات تحركت في الهواء والفتيات عادوا يعملون والفتاة كانت تنظر

و تلتفت حولها وهي تبحث عن الحلق الضائع بين الورود ، صعدت إلى الأعلى مسافة ستة أمتار ونظرت

إلى الأسفل وانا أنظر في كل الإتجهات لأبحث عن حلقها الضائع  .. ها هو وجدته بالفعل ، لكن إعذريني

عزيزتي أنا لم يكن بيدي مساعدتك حظاً سعيداً ..

صعدت عاليا واختفيت في ثانية من فوق سماء مزارع الورود الشاسعة ، لأترك ضوء النهار

والشمس الساطعة بتلك البلدة وأذهب إلى بيت الرجل العجوز والفتاة الصغيرة نيفين

***

 دخلت الى البيت

إرتفاعي داخل البيت الأن ما بين الأرض والسقف في المنتصف تماماً ، مازال الهدوء بالداخل

تحركت سريعاً في كل إتجاه ولم أجد الرجل العجوز والفتاة ، أين هم ماذا حدث لهم ، ثم وجدت فوق

الدكة الخشبية ظرف كبير ويوجد بجانبه كثيراً من عُلب الدواء ، فركزت على الظرف وإقتربت بنظري

"زوم" ليخترق نظري أنسجة الظرف وأرى ما بالداخل ، فإذا بها أشعة عن الصدر والبطن ، وتقرير

مكتوب باسم الفتاة وأنها تعاني من مرض خطير ليس له علاج ، ثم صعدت إلى زاوية السقف جاء

شخص يفتح باب البيت ويدخل مسرعاً ويتجه ناحية الظرف ويأخذه ويحمله في يده ثم يتجه إلى الباب

ليخرج ويغلق الباب ورائه ، فأنا اريد أن أعرف ما الموضوع ، اخترقت الباب سريعاً ، فرأيت ذلك

الشخص يدخل سيارته وينطلق مسرعاً ، ذهبت ورائه ودخلت السيارة معه ، ثم وصل إلى موقف

الحافلات الصغيرة "ميكروباصات" ، وتوقف بسيارته بالقرب من مايكروباص ونزل منها ومعه الظرف

وصعد الى داخل الميكروباص ، ذهبت سريعاً ورائه لأجد الرجل العجوز جالس بالداخل واضعاً الفتاة

الصغيره نيفين على قدميه و هو ينظر لها بحزن شديد ثم أعطاه ذلك الشخص الظرف وقال :

 

" خد يا عّم يوسف الأشعة اللي انت نسيتها جبتهالك ربنا يشفيها أول ما توصل المستشفي

أدي الظرف ده لأي دكتور وهو هيعرف حالتها إيه بالضبط .. ودوّل فلوس كل اللي حيلتي

دول مني ليك يا رجل يا طيب . ما تكسفش إيدي " ..

 

قال له :

" خلي فلوسك معاك هاينفعوك يابني .. أنا معايا ربنا " ..

 

ثم طبطب الحاج يوسف بيده على كتف الشخص ، ثم غادر ذلك الشخص الميكروباص وأغلق الباب .

 

مازلت انا بالداخل مع الحاج يوسف لكي أعرف ما هي الحكاية ، وصل الميكروباص بعد خمسة

ساعات الى المدينة ونزل الرجل العجوز وهو يحمل الفتاة الصغيرة على كتفه ، ودخل المستشفي

مهرولاً مسرعاً يتلفت يميناً ويسارا لا يعلم أين يذهب و إلى من يتحدث ، ثم جاءت إليه ممرضة وهي تنظر

إلى مظهر الرجل العجوز الفقير و تشاور له بيدها ليتوقف لا يتحرك وقالت :

 

" انت رايح فين يا عّم أنت استنا عندك هنا .. في إيه ملها اللي أنت شايلها دي " ..

 

قال لها :

" حفيدتي بتموت ساعديني يابنتي ينوبك ثواب عند الله " ..

 

قالت له :

 " تعالي ورايا لما أشوف آخرتها معاكم إيه !.

أنت معاك فلوس ولا جاي مستشفي كبيره زي دي تشحت هنا "

 

قال لها :

" معايا الله يابنتي .. معايا الله " ..

 

ذهب الرجل العجوز وراء الممرضه وهو حاملاً الفتاة علي ذراعه ، ثم دخل ورائها حجرة صغيرة

يوجد بها سرير واحد .

 

قالت له :

 " حطها على السرير وإياك تتحرك من مكانك لحد ما الدكتور يجي " ..

غادرت الممرضة من الغرفة وأغلقت الباب خلفها ..

 

أما انا أراقب كل شيء وأراقب حركات الرجل العجوز وهو يتحسس رأس الفتاة بهدوء وأري دموعه

وهي تتساقط من عينه والحزن يملاء ملامحه .

و بعد سبعة ساعات من الإنتظار الطويل دخل الدكتور الغرفة ثم وقف الرجل العجوز وهو يمد يده للدكتور

ليصافحه فيصافحه الدكتور هو الاخر وهو ويقول له :

 

 " ملها ؟ " ..

 

الرجل العجوز :

 " دي الأشعة والتقارير كلها يا دكتور واكيد أنت هتعرف " ..

 

يأخذ الدكتور الظرف ويفتحه وينظر إلى الاشعات و التقارير ثم يقترب من الفتاة و يكشف عليها ..

 

الدكتور :

" دي محتاجه عملية في خلال اربعه وعشرين ساعه وتمن العملية سبعين الف جنيه وإلا ممكن تموت " ..

يجلس الرجل العجوز على الكرسي صامتاً تماماً وهو ينظر إلى وجه الدكتور لمدة من الوقت ثم يقول :

 

 " بس انا يا دكتور كل اللي حيلتي عشره جنيه ، أنا كنت بضحك عليها كل يوم واقولها قربت احوشلك

الفلوس للعمليه علشان نفسيتها ماتتعبش وامها وأبوها الله يرحمهم سبوهالي لوحدي أربيها ، أنا بنام

كل يوم علي الأرض جنبها وعيوني مفتوحة بدعي ربنا يشفيها ويبعتلي اللي يساعدني أرجوك أرجوك

يا دكتور اتصرف أبوس إيديك " ..

 

الدكتور :

 " انت جاي تحكيلي قصة حياتك يا عّم انت ولا إيه معاك فلوس تعملها العملية ولا لاء مامعكش

خودها وامشي " ..

 

الرجل العجوز :

" أرجوك يا دكتور لو طلبت دم مني هاديها لو طلبت كليتي لو طلبت كبدي بس اعملها

العملية " ..

 

الدكتور :

 " دم إيه وكبد إيه يا راجل يا مجنون أنت .. بقولك إيه خودها وامشي فوراً وإلا هندهلك الأمن

يخدوك أنت وهي بره أنا ورايا شغل مش فاضيلك " ..

 

الرجل العجوز :

" لا لا مالوش داعي .. مالوش داعي يا دكتور كتر خيرك أنا هامشي أنا وهي

كتر خيرك يابني " ..

 

مازلت أنا موجود لن أتحرك أشاهد كل شيء ، ثم أخذ الرجل العجوز الفتاة وحملها على كتفه وذهب

بهدوء خارج المستشفي الخمس نجوم التي لم تستقبل من تسموهم أنتم يا بشر بالفقراء والمساكين

 ذهب وهو يحمل الفتاة ويحمل في يده كل ما يملكه من مال عشرة جنيهات ، يتجول في شوارع المدينة

المزدحمة بالناس وبالسيارات وسط النهار تائه شارد التفكير ، ثم جلس على الرصيف من التعب وهو

ينهج  ويتصبب عرقاً وبحزن ينظر لوجه حفيدته ألطفلة البريئة نيفين .

 

فأوقفت أنا الزمن عن الحركة وأنا أنظر إلى ملامحه المليئة بالحزن ودموعه العالقه على خديه وهو

ينظر إلى الفتاة ، واقتربت منه تماماً وركزت بنظري "زوم" بإتجاه الفتاة واخترقت جميع الأنسجة

بداخلها وتخللت كل خلية لأتفحص في ما يصيبها من مرض ، ثم عدت إلى الوراء وابتعدت مسافة

مترين ووجدت إنها تعاني من شيء بسيط ولكنه مميت ومن الممكن أن تموت وتفارق الحياة تلك الليلة

إن لم تجد العناية والرعاية الطبية ، كما قولت لكم أنا أعرف وأعلم كل شيء ولكنني لم أستطيع تغير

أي شيء

 

لكن سوألي لماذا طلب الدكتور كل هذا المبلغ من المال فإنها تعاني من شيئاً بسيط جداً من الممكن أن تعالج

وتشفّي منه تماماً ببعض الأدوية والعقاقير والإهتمام وحالتها لا تتطلب كل هذا المبلغ من المال أو إجراء

عملية كما قال الدكتور !..

 

 أهكذا يفعل الإنسان لاخيه الإنسان ؟ ..  وهكذا تفعل الفلوس و الأموال في الفقير وتشعره بالذل والإهانه

وتجعل الإنسان رخيصاً بلا ثمن !.  فله الله عّم يوسف الرجل العجوز، ولها الجنة تلك الفتاة ألمسكينه إن

فارقت الحياة اليوم ..

 أما أنا ... فأنا محظوظ جداً جداً بأني لم أكن إنسانا وأنني مخلوق .... بلا مشاعر .


 ***

نهاية الجزء الأول


انتهت القصه أصدائي ولكن أنا لم أنهي كلامي وأريد منك عزيزي القاريء شيء بسيط

إذا أردت أن تضيف شيئاً لذالك المخلوق الأثيري فماذا تضيف له . هل تضيف


   1- العوده بالزمن للوراء

       2 -  الذهاب إلي المستقبل  

       3 - تجعله يغير الأحداث  " الأعلي  تصويت تسعه وعشرين اَلف قاريء "

       4 - تجعله يتحدث مع الناس وتتحدث الناس معه                                    

 

أريدك عزيزي القاريء أن تختار إختياراً واحداً فقط  في نهاية كل جزء من الأجزاء القادمه

منتظر منكم تعليقاتكم ، وسأضع مع كل جزء ما قمتم به من تصويت

ليكي يصبح ذالك المخلوق الأثيري في أخر جزء من أجزاء الرواية كما أنتم تريدون

ونري ما سيقدمه هذا المخلوق من مساعده للبشريه .

 

الجزء الثاني

 

أهكذا يفعل الإنسان لاخيه الإنسان ؟ ..  وهكذا تفعل الفلوس و الأموال في الفقير وتشعره بالذل والإهانه

وتجعل الإنسان رخيصاً بلا ثمن !.  فله الله عّم يوسف الرجل العجوز، ولها الجنة تلك الفتاة ألمسكينه

إن فارقت الحياة اليوم ..

 أما أنا ... فأنا محظوظ جداً جداً بأني لم أكن إنسانا وأنني مخلوق .... بلا مشاعر .

 

***

 

جعلت كل شيء يعود للحركة ، فالسيارات تحركت وعادة الضوضاء ، و تحركت الأقدام خلف عّم يوسف

وهو جالس على الرصيف ، وكانت حرارة الشمس تأكل وجه الفتاة الغائبة تماما عن الوعي ، فأنا الآن

لا أعلم هل أذهب أم أبقى ؟ ..

 

هل انتظر وأشاهدها وهي تفارق الحياة كما شاهدت الكثير والكثير من قبل ، أنا بالفعل سأذهب ، لا أريد

أن اعرف ، فأنا عرفت الكثير بالنسبة لتلك العائلة الفقيرة ، وكل حكاية من الحكايات المشابهة تنتهي

نفس النهاية المأسوية و الحزينة ..

- وداعا عّم يوسف .. وداعا نيفين ..

 

لكن لحظة ! .. ما هذا ؟ .. إنها سيارة سوداء فارهة تتوقف أمام عّم يوسف تماماً ، وينزل منها شخص

يبدو عليه الثراء ويتجه نحو عّم يوسف ويحاول أن يساعده على النهوض بهدوء ، ثم يقف عّم يوسف

بالفعل ويتحدث معه ، ثم يفتح ذلك الشخص باب سيارته ويصعد عّم يوسف إلى السيارة ومعه الفتاة

ويصعد الشخص ثم تذهب مسرعة ، لأول مره أهتم بشيء إلى هذا الحد , سأذهب لكي أرى ما يدور

 بداخل السيارة وأمري لله .

 

ذهبت سريعاً ولحقت بالسيارة ودخلت لأسمع ما يدور ، فوجدت سائق يقود السيارة ويجلس بجانبه ذلك

الشخص ويجلس بالمقاعد الخلفية عّم يوسف ونيفين ، ثم ألتفت الشخص بنظره إلى عّم يوسف وهو

يعطيه ظرف ويقول :

” دي الأشعة والتقارير بتاعت البنت يا راجل يا طيب انا جبتهم من الزباله ، انا كنت واقف قدام الباب

بالصدفة وسمعتك وانت بتتكلم مع الدكتور وبتتوسل إليه .. ولما انت مشيت ونسيت الأشعة والتقارير

الدكتور رماهم في الزباله وانا طلعتهم و جبتهملك ومش عايزك تشيل أي هم في حياتك من تاني انا ربنا

بعتني ليك يا طيب “..

 

عّم يوسف :

” أيوه يابني انا مش فاهم انت مين ! .. ويعني إيه مش هاشيل الهم ، يعني نيفين هتعمل

ألعمليه ولا هاتموت .. انا مش شايف قصادي ومش فاهم “..

 

الشخص :

” انا اسمي سراج يا عّم الحاج . بنتي بتتعالج فالمستشفي هي مش مريضة بس بيجلها شوية قلق

ومش بتحس باطمئنان إلا لما تكون جوا المستشفي وسط الدكاتره ، ادعي لها ربنا يشفيها ويشفي

 حفيدتك .. انا كلمتلك مستشفي تانيه وفهمتهم كل حاجه وهما هيعملوا المطلوب وهايسعدوك

 وكل شيء انت تأمر بيه من جنيه لمليون انا تحت أمرك زي ما قولتلك ماتشلش هم “..

***

 

وصلت السيارة إلى المستشفي الأخرى ونزل السائق وأخذ نيفين على كتفه ونزل عّم يوسف بهدوء

وهو مستغرب ومتعجب من أحوال هذه الحياة الدنيا الغريبة ونظر للسماء وهو يبكي يشكر ربه .

 

توجه عّم يوسف والسائق ونيفين إلي داخل المستشفي سريعاً ثم أخذ  سراج  سيارته ورحل مسرعاً

وبقيت انا في الوسط هل أذهب وأري ما يدور بداخل المستشفي مع عّم يوسف ونيفين أم أذهب لكي

اعرف من هو " سراج "  أعتقد سأذهب لكي أعرف من هو سراج  وسوف أعود في وقت لاحق لعم

يوسف ، ذهبت مسرعاً داخل سيارة سراج فوجدته يتحدث في الهاتف ويقول :

 

 ” دقيقه وهكون عندك يا حبيبتي “ ..

 

ويغلق الهاتف ، ثم يصل بسيارته أمام باب المستشفى الأولي لأجد فتاة شابه تتقدم وتفتح باب السيارة

وتصعد وتغلق الباب بشدة وعصبية وهي تنظر إلى وجه سراج وهو يشعل السيجار وتقول :

 

” يا بابا انا قولتلك كزا مره ماتسبنيش لوحدي فالمستشفي وتمشي بخاف أكون لوحدي بخاف “..

 

سراج :

 ”واللهي يا " هند " انا مش عارف حكاية الخوف دي آخرتها إيه معاكي .. في البيت قلقانه وخايفه وحتي

 في المستشفي اللي كنتي بترتاحي فيها بقيتي خايفه برضه ، إنتي حكيتك إيه مش عارف .. قولتلك انا

مستعد أسيب كل اللي ورايا علشان خطرك ونسافر أسبوعين لندن تغيري جو وانتي اللي مش عايزه ..

صدقيني يا حبيبتي هما أسبوعين نجرب وكل شيء هيكون تمام ونفسيتك هترتاح .... ها قولتي إيه “..

 

هند :

 ” انا قولتلك كزا مره لاء يعني لاء .. مستحيل أسيب ماما لوحدها وأسافر أي مكان غير وهي معنا “..

 

سراج :

” أياكي تجيبي سيرة أمك تاني علي لسانك انتي سمعاني .. أنا كام مره حذرتك كأنك تقصدي تعصبيني “.

 

علي ما يبدو أن عائلة سراج غارقين في مشاكل مثلهم مثل الكثير والكثير من عائلات البشر !.

 وصلت السيارة إلي حديقة الفيلا ونزلت منها هند سريعاً وهي غاضبه ودخلت البيت .

 فذهبت انا وراء هند ووجدتها تصعد سلالم الفيلا الداخلية وهي تنادي بصوت مرتفع وتقول :

 " يا داده .. يا داده .. حضريلي الحمام علشان عايزه أخد شاور"..

 

دخلت هند إلي غرفتها وانا معها أتحرك وأدور حولها بهدوء ، ثم جلست هند على أريكة وثيرة وهي

تتصفح الرسائل سريعاً على هاتفها ثم قرأت رسالة وهي تبتسم إبتسامة خفيفة ، فنظرت أنا إلى الرساله

ووجدت مكتوب بها كلمات عاطفية حارة ، ثم قامت هند بتقبيل الهاتف ووضعته على طاولة أمامها

واتجهت إلى السرير واستلقت بظهرها عليه وهي تبتسم سارحه و يبدو إنها سعيده ، فارتفعت أنا إلى

الأعلي ما بين السقف والسرير وأنا أقوم بحركة دائرية بطيئة حول وجه هند لأتعرف على ملامحها جيداً

ثم توجهت بنظري إلى كل ركن بغرفتها المليئة بالاجهزة الترفهية الحديثة ، فسمعت صوت سراج قادم

من نافذة غرفة هند وهو يتحدث بالحديقة الخارجية في الهاتف ويقول :

 

” لا اله إلا الله .. لا اله إلا الله .. إنا لله وإنا إليه راجعون “..

 

فقامت هند مسرعة بفزع تنظر من النافذة وتقول :

” في إيه يا بابا في إيه ، إيه اللي حصل قولي في إيه !! “..

 

فتوجهت أنا سريعاً من النافذة الى الحديقة لأصبح بجانب سراج تماماً وهو يتحدث فالهاتف ..

 

سراج :

 " يعني إيه .. يعني ربنا بعتني للراجل العجوز ده في وقت متأخر .. طيب ربنا بعتني ليه من

الأساس ... استغفر الله العظيم .. استغفر الله العظيم .... البقاء لله "..  ثم أغلق الهاتف .

 

يبدو أن نيفين فارقت الحياة , أنا سأذهب إلى المستشفي ، تركت منزل سراج و في اقل من ثانيه كنت

داخل المستشفى أتحرك وأتنقل بين جميع غرف المستشفى لأجد غرفة يوجد بها طبيب وممرضة ..

 

ويقول الطبيب :

 ” اعتقد هبوط حاد فالدورة الدموية “..

 

ثم تقوم الممرضه بتغطية وجه عّم يوسف !!!.

عّم يوسف مات وفارق الحياة .. كيف ؟ .. متى ؟ .. لكن ... لكن ..

لماذا أنا أهتم وأبالي بقصتك أنت وحفيدتك لماذا ؟ لماذا ؟ .. ولماذا أريد أن أقول لك كما يقولون

البشر وداعاً يا رجل يا طيب ..

 

أنا سأوقف الزمن لألقي آخر نظره إلى وجهك ولن أعود مره أخرى فأنا لا أريد أن أعرف ما سيحدث

لحفيدتك بدونك في تلك الحياة المليئة بالـ .... ما دخلي أنا أن أقول كلام له معاني تنطق على لسان

جميع البشر في أوقات الحزن أو السعادة ، ما دخلي أنا بك أو بأي أحد على الأرض .. يا ليتني ما جئت

إليكم .. يا ليتني بقيت ما أتيت إليكم .

 

بسرعة رهيبة اخترقت جميع طوابق المستشفى وصعدت إلى السماء بسرعة فائقة وأنا أرى أسطح

البنايات تبتعد ثم المدينة تبتعد ثم السحب البيضاء تبتعد ثم كوكب الأرض يبتعد  يبتعد  يبتعد .. لأدخل

في ظلام الفضاء تاركاً كوكب الأرض متجهاً الى موطني ومكان وجودي الأصلي .... إلى

" ليل القمر المظلم " ..

 

أنا ألاحظ في الآونة الأخيرة شيء غريب لم أكن معتاد عليه من قبل ، ألاحظ إنني أحاول إكتساب شعور

الإهتمام بالغير، إكتساب شعور الخير للغير ، شعور المساعدة للغير ، ومن هم الغير ؟ .. أنتم يا بشر يا

من تسكنون الأرض .. فأنا لا أريد أن أكتسب مشاعركم هذه  لا أريد .. لا أريد أن أشعر بالسعادة أو

بالحزن أو بالغدر والخيانة والطمع والنشوة والشهوة والحقد والحسد والجشع والسرقة والنهب و حب

المال وسفك الدماء والحروب والقتل ولا أي شيء وبلوة من بلاويكم .. لا .. لا .. لا أريد ذلك .. فإن

إكتسبت المشاعر مثلكم سوف يكون أمامي الخيار ، ومن الممكن أن أصبح ملاك أو أصبح شيطان ..

أنتم تمرون بإختبار صعب في حياتكم ، والشعور والمشاعر جعلتكم تنسون أن أعماركم وحياتكم قصيرة

جداً فأنتم خلقتم وأنا أيضا مخلوق ، ولكن الإختلاف كبير بيني وبينكم ، نعم أنا مخلوق أثيري وخلقت

ومن خلقني هو من خلقكم ، ولي بداية ولي نهاية مثل أي شيء و مثلكم تماماً  فأمر الله لا يقدر أو

يقاس بالمسافة أو بالزمن فهو مختلف ، فأنا سوف أنتهي وافني إن ضربت العواصف الـ جيومغناطيسية

الآتية من الإنفجارات الشمسية الشديدة كوكبكم كوكب الأرض وإن كان وجودي معكم في تلك اللحظة

على الأرض سأنتهي وافني في وقت و زمن لا تتخيله العقول .. وضع الله في إدراكي أن نهايتي وفنائي

سيكون سببه الوحيد هو الإنفجارات والتقلبات الشمسية التي تولد عواصف جيومغناطيسية وسرعتها

هي نفس سرعة الضوء ، وبيدي أن أختار الإبتعاد عنها والبقاء أو الإقتراب منها و الفناء ، فوجودي

بظلام لليل القمر هو بقائي وذهابي بعيداً عنه من الممكن أن يؤدي إلى فنائي ، فأنا بقيت مئات السنين

أريد أن أشاهد أو أرى مخلوق شبيه لي ولكن لا يوجد  لا يوجد  لا يوجد ، كنت أبقى دائماً أتحرك مع

الليل المظلم ولا أرى الشمس أبداً ، وكانت أأمن نقطه لي على القمر هي نقطة الجانب المخفي لكم

ولكنني قررت الهلاك و الفناء فتركت مكاني ورحلت أتجول في الفضاء ثم ذهبت إليكم فكنت محظوظاً

أنني باقي إلى الآن ولم يحدث لي شيء أثناء وجودي معكم ، جئت إلى كوكبكم لكي أفنى وانتهي فقط

وليس لإكتساب مشاعركم وطباعكم وحياتكم المملة ، ولكن للأسف ولأول مره سأقول تلك الكلمة ...

كلمة " أشعر " فهي أصابتني كالعدوى وانتقلت منكم لي ... فأنا سأعود مرة ثانية إلى الأرض طالبا

من خالقي أن لا يعطيني صفة من صفاتكم ، وأن لا يتغير شعوري فيصبح متنوعا بأشكاله المتخلفة

ومتلونا مثلكم ..

 

***

انطلقت مسرعاً بإتجاه كوكب الأرض مجدداً ، أوقفت الزمن وأنا أعبر الغلاف الجوي ، وعاد لطبيعته بعد

مروري السريع . أري الأن المحيطات والبحار تقترب ، و السحب البيضاء الكثيفة تقترب ، ثم أصبحت

السحب حولي من جمع الإتجاهات تماماً , أخترق الكثير والكثير من الطائرات المسافرة والعابرة للقارات

في قلب الليل .. أقتربت بسرعتي الفائقه و توجهت إلى منزل سراج في الحال ..

 

تخللت النسيج الزجاجي لنافذة غرفة هند , كانت الغرفة ساكنة ومظلمة ولا يوجد أحد فتوجهت سريعاً

أبحث في كل غرف المنزل والحمامات والمطابخ .. لا يوجد أحد .. فذهبت إلى الخارج ، إلى حديقة

الفيلا لأجد سراج جالس أمام طاولة و يوجد عليها الكثير من زجاجات الويسكي وأنواع مختلفة من

الخمور يتحدث مع زميل يجلس بجانبه وكان يضع القليل من الويسكي بالكأس أمام صديقه ، ثم يمسك

بالسيجار ويضعه في فمه ويشعله و ينفث الدخان ..ويقول :

 

" لو مراتي " نور " رفضت أني اخد الطفلة الصغيرة دي وآربيها مع هند انا هاطلقها يا " عدلي "

انا عايز أعمل خير بقي يا أخي كفايانا اللي احنا بنعمله ده ، أحنا كبرنا خلاص وعجزنا ولا انت

إيه رأيك "..

 

عدلي :

"واللهي انت الظاهر إنك اتجننت في عقلك يا سراج تربيها مع هند ،  وانت فاكر إن هند لِسَّه

عيله صغيره دي هند عندها تلاته وعشرين سنه ومش محتاجه عيال تلعب معاهم ، دي بقت عروسه

وبعدين إيه التقوي اللي نزلت عليك فاجئه دي ، أل رايح تعمل عمل خير أهو الرجل مات وانت احتست

ومش عارف تعمل إيه مع البنت الصغيره "..

 

سراج :

 " انت ماتعرفش أنا عملت كده ليه .. في حاجه غريبه جداً حصلتلي وانا فالمستشفي مع هند

كنت رايح أدخن السيجار بره المستشفي ، وانا في طريقي مريت علي الغرفة اللي كان فيها الراجل

العجوز وحفيدته ، وكان الباب مفتوح لقيت حاجه زي ضوء أو شعاع أبيض عمال يظهر ويختفي

 ويتحرك بسرعه من فوق الدكتور شويه وفوق الراجل العجوز شويه وفوق البنت وهي على السرير

 وأول ماشوفته حسّيت أني في حاجه غريبه .. حاجه غيّرتلي مشاعري وخلتني أفضل واقف مكاني

ومش عارف أتحرك علشان أسمع كل كلمه بتتقال بين الدكتور والرجل العجوز علي حالة البنت

 واتاثرت جداً جداً ، وعشان كده أنا حاولت أساعد الرجل العجوز والبنت الصغيرة بأي طريقة " ..

 

يقف عدلي وهو يضحك بصوت مرتفع ويقول :

" شعاع ابيض وحاجه غريبه .. انت الظاهر اتجننت زي ما بقولك واتجننت كمان زي بنتك هند وهي اللي

أثرت عليك وعلى تفكيرك ، وشويه شويه تقول انك خايف وقلقان ومرعوب وبتشوف جن أو بتشوف واحد

نايم جنبك على السرير و شكله أسود ، زي ما هي وجعه دمغنا بالكلام الفاضي ده ليل نهار ومدوخانا معاها

بين الدكتره والمستشفيات .. فوق لنفسك يا سراج وخلي مراتك نور ترجع بيتها وخد بالك من هند وبس

ولا تجيب طفله ولا عيله تربيها مع هند أل .... تصبح علي خير "..

 

سراج :

" تعالي بس رايح فين يا عدلي ......... يا عدلي " ..

 

أنا موجود وسمعت كل كلمه دارت بين سراج وصديقه عدلي .. ولكن كيف ؟ . فهل سراج يعني من

كلامه أنه رآني أنا ؟ .. لا يعقل .. لا يعقل ! ..

 

 فإن كان قد رآني فأنا أمامه الآن أتحرك وهو ينفخ الدخان سارحاً بفكره ، لكن أنا سأوقف الزمن لكي

أتأكد من الأمر ، أوقفت الزمن وأصبحت أمام وجه سراج تماماً وهو يسحب أنفاس السيجار وكان

بين إصبعيه وبين فمه ثابت و مشتعل مثل الجمر ، والدخان الكثيف ثابت في الهواء من حوله

وبدأت أتحرك حركة دائرية ، كان رأسه هو محور الدائرة ، تحركت بهدوء من الأمام الى اليسار

ثم تحركت إلى الخلف فأصبح شعر رأسه من الخلف أمامي فأقتربت بنظري "زوم" واخترقت رأسه

وتخللت الأنسجة ووجدت الجزء المسئول عن الذاكرة ورجعت بالزمن داخل ذاكرته بسرعة مهولة

لسنوات وسنوات وسنوات وصور ولقطات كثيرة وأحداث كانت قد مرت ، ثم تقدمت بذاكرته إلى الأمام

بسرعة وأوقفتها أثناء وجوده أمام باب الغرفة في المستشفى ، ثم رجعت بنظري لموضعي الطبيعي

خلف رأسه ثم تحركت حول رأسه ثلاثة مرات سريعاً ثم توقفت ببطء أمام وجهه و تركت كل شيء يعود

للحركة ، فنفخ سراج دخان السيجار ثم قام وتوجه مخترقاً الحديقة ليدخل المنزل .

 

ولكن شيء لا يعقل شيء لا يعقل ، بالفعل سراج رآني أنا أثناء وجودي بغرفة المستشفى مع عّم

يوسف ونيفين . وبالفعل أنا من أثرت في مشاعره وجعلته يقف لا يتحرك ليستمع إلى كل كلمة

 لأنني .. لأنني .. كنت أشعر بحزن شديد وكانت تلك هي المرة الأولى في عمري أن أمتلك الإحساس

وأنا لا اعلم  وأمتلك الشعور واشعر بالحزن ، فيبدو أنني أصبحت أظهر ويراني البشر عندما يتملكني

شعور شديد بالحزن ، و أنا من غيرت مجرى الأحداث لكي أساعد عّم يوسف وحفيدته المريضه نيفين

 أنا لا أدري هل هذا الأمر وهذه الصفة تجعلني سعيد أم ماذا ؟ . لا أدري  لا أدري ..

 

ولكن .. لكن هذا الشخص الملعون سراج فهو شيطان ، نعم هو شيطان على هيئة إنسان هو وصديقة

الشيطان عدلي ، فأنا وأنا أتصفح ذاكرته شاهدت ماضيهم وحاضرهم الأسود وكانت أفعالهم الشيطانية

بين البشر هي السبب الوحيد لوجود ثرواتهم وأموالهم المتكدسة بالمليارات في البنوك ..

 

عذراً عذراً .. أنا أرى ضوء سيارة قادم الآن و تقف السيارة بجواري وتوجد بداخلها هند تتحدث مع

شاب ثم يقوم الشاب بتقبيلها على شفتيها ، ثم تنزل هند وتغلق الباب ، وتعود السيارة للخلف و تبتعد

خارج الحديقة , تجلس هند أمام الطاولة المليئة بزجاجات الخمور وتفتح زجاجة وتصب كأس ثم تقف

وتأخذ معها الكأس متجهة لتدخل المنزل ، كنت انتظرها بالداخل وقبل دخولها من الباب ، وكان وجودي

بجوار سراج وهو يشاهد التلفاز .

 

فدخلت هند المنزل وبيدها الكأس واقتربت من سراج ووضعت قبلة على خده وجلست بجواره وقالت :

 

" تصدق فالكام ساعه دول وحشتني يا أجمل أب .. شوف  عمرو  جابلي إيه ... إيه رأيك "..

 

سراج :

 " إيه ده ... ده الخاتم ده مايقلش عن مليون جنيه . ألف مبرك ياحبيبي ياريت تكوني مبسوطه

مع عمرو .. بس أنا ملاحظ حاجه كده يا ست هانم ، لما بتكوني معاه بتنسي الدنيا وبتنسي

اللي بيحصلك وعايز اعرف حاجه بقي .. انتي مدوخاني معاكي بين الدكتره والمستشفيات وتعباني

بالطريقه دي ليه ، ماتخدي خطيبك عمرو معاكي وتريحني من وجع الدماغ ده بقي "..

 

هند :

” أنا بتدلع عليك يا حبيبي مش أنا حبيبتك الوحيده ولا إيه ... استنا استنا يا بابا شوف بص " ..

 

تمسك هند بالريموت وتتحكم بمستوي صوت التلفاز لتشاهد حوار يدار ببرنامج " توك شو " بين

شيخ و دكتور نفساني ، وكانت تحدث بينهما مشادة كلامية ومقاطعة الحديث بينهما بصوت عالي .

 

الشيخ يصرخ :

" يا أخي انت وأمثالك اللي مشوهين صورة الدين ، الجن مذكور في القرآن وانت بتلغيه بسهوله

و بتلغيه بكلامك ده “..

 

الدكتور يقاطعه :

" يا شيخ يا شيخ يا شايخ أسمعني يا شيخ يا شيخ خليني أكمل كلامي خليني اكمل كلامي " ..

 

تتعصب هند وتقف وتغير القناة لأنها لم تصل لإجابة شافيه ، لعدم احترام الحوار والإستخفاف بعقول

المشاهدين وتنظر هند لسراج وتقول :

" ارجوك خلي ماما ترجع البيت بقي ، أصلها وحشتني قوي  ... تصبح على خير "..

 ***

       

          1-    العودة بالزمن للوراء  " الأعلي تصويت واحد وثلاثون اَلف قاريء "

2-    الذهاب إلي المستقبل

3-    تجعله يتحدث إلي الناس وتتحدث الناس إليه


الجزء الثالث 

 

تنظر هند لسراج وتقول :

" أرجوك خلي ماما ترجع البيت بقي ، أصلها وحشتني قوي  ... تصبح على خير " .

 

ثم تتجه هند وتبدأ في صعود سلالم المنزل الداخلية فينادي عليها سراج

ويقول :

" هند اياكي تنسي معادنا بكره الصبح هنروح نزور البنت الصغيرة زي ما قولتلك "..

 

هند:

" ماتقلقش يا بابا أنا مش ناسيه وعامله حسابي ونفسي أشوفها "..

 

تكمل هند صعودها السلالم وتتجه إلى غرفتها وتدخل وتغلق الباب خلفها , فنظرت أنا لسراج ومازال

جالس أمام التلفاز وفي يده السيجار وكان سارحاً ، ثم نظر إلى الأعلى ليتأكد أن هند دخلت غرفتها

فأمسك بهاتفه وبحث سريعاً عن رقم ، ثم وجد الرقم وأتصل به .. وسرعان ما تحدث قائلا :

 

 ” أيوه يا نور ... أنا خلاص مش عارف أكدب وأمثل بالشكل ده أكتر من كده .....

لاء لاء هي كويسه بس أنا مش شايف أي تحسن ولا تقدم في حالتها ....

 إيه اللي انتي بتقوليه ده مانتي شايفاني عمال أصرف بالملايين علي اللي اسمه عمرو بتاعك ده

 علشان يجبلها هدايا وتحس بإهتمام وحياتها تتغير ...

واللهي أنا حاسس إن الدكتور بتعها أفكاره مجنونه شويه ومش واثق في كلامه ، يعني إيه لازم

 نعملها صدمه جديده في حايتها علشان تنسي بيها الصدمة القديمة .. ادينا يا ستي بقلنا تلات شهور

 بنمثل عليها اننا متشاكلين وهننفصل وهاطلقك ومافيش أي تقدم في حالتها ..

يعني إيه أنا السبب يا نور ، الحكايه القديمة دي مر عليها اكتر من سنه تقريباً وهند لِسَّه زي ماهي

خلاص خلاص يا حبيبتي ماتتعصبيش أنا أسف ... أنا أسف ....

هاشوفك بكره بعد ما أخلص شغلي وماتقلقيش هتصرف أنا في حكاية البنت الصغيرة دي ...

لاء لاء مافيش حد عارف حاجه حتي عدلي أنا كل شويه بقوله هاطلقها

 بعد الشر عليكي من الطلاق ده أنتي حياتي كلها ... تمام هانتقابل بكره .... وانتي من أهله “..

 

يغلق سراج الهاتف وينهض ويتجه ليصعد السلم ثم يذهب لغرفته ويدخل ويغلق الباب ورائه ، فتوجهت

أنا إلى باب غرفة هند واخترقت النسيج الخشبي وأصبح باب الغرفة خلفي من الداخل لأجد هند مرتديه

شورت خفيف وتيشيرت أبيض خفيف يبدو أنها ملابس النوم ، وكانت جالسة أمام المرآة تنظر إلى

وجهها وملامحها بتأمل ، ثم قامت بمسح مساحيق التجميل من على وجهها بهدوء ، وبعد الإنتهاء من

ذلك وقفت وهي مازالت تنظر للمرآة ، فوجدت أنا شيء غريب وآثار لجروح قديمه عبارة عن خياطات

و غرز جراحيه كثيرة متفرقة على قدميها ، وكأن قدميها الاثنتين مشوهتين من الأسفل إلى الأعلى ، ثم

تحركت هند إلى وسط الغرفة ، وهي تلملم شعرها الطويل بين يديها و تسحبه إلى الأعلي ، فتوجهت أنا

سريعاً وأصبحت أمامها وأوقفت الزمن لكي اعرف ما سبب تشوهات قدميها بهذا الشكل , فكانت أمامي

ساكنة بدون حراك وذراعيها إلى الأعلى وشعرها الأسود الطويل بين قبضتي كفيها ، وبين أسنانها

رابطة الشعر ، فارتفعت لأصبح بمستوي وجهها وابتدأت أتحرك حركة دائرية بهدوء ، كانت رأس هند

هي محور الدائرة ، فتحركت من أمام وجهها إلى ناحية اليسار ، ثم تحركت إلى الخلف ، فأصبح رأس

هند من الخلف أمامي تماماً ، اقتربت بنظري " زوم “ واخترقت أنسجة الرأس ووجدت الجزء المسئول

عن الذاكرة ، ورجعت بذاكرتها إلى الوراء , إلى سنه ماضيه فقط ، لأجد الحادثة المفزعة التي غيرت

حياة هند إلى كابوس واضطرابات وذكريات مؤلمة ...

 

***

وجدت سراج يقود سيارة نوع همر سوداء اللون بسرعة جنونية على طريق مليء بالمنحدرات وبين

جبال توجد بلبنان ، وكان ينظر إلى النافذة المفتوحة لجهة اليمين وإلى الطريق أمامه ويتبادل النظرات

ما بين النافذة والطريق ولون وجهه احمر يتصبب عرقاً ، وكانت ملامحه مليئة بالغضب والإنفعالات

وهو يحاول اللحاق بسيارة أخرى نوع لامبورجيني زرقاء اللون كانت تسبقه بشيء بسيط ، فيقترب

سراج بسيارته إلى السيارة الأخرى ويصبح بجانبها تماماً وبسرعة متساوية .

 

فنظرت أنا إلى السيارة الأخرى ووجدت شخص يقودها مرتديا نظارة زرقاء اللون وكان ينظر لسراج

وهو يبتسم له بحقد وشر ، وكانت هند جالسه بجانب ذلك الشخص وهي تبكي بشده والرعب والفزع

ظاهر على ملامحها ويدها اليسرى مقيدة بالحديد ومتصلة باليد اليمني لذلك الشخص ، فيتحدث له

سراج بصوت مرتفع وهو منفعل وكان صوته يتموج مع الرياح لشدة السرعة بين السيارتين ويقول :

 

" يا هند ... يا هند يا حبيبتي ماتخفيش .. أرجوك أرجوك يا  منير هند ملهاش أي ذنب

 

اعمل فيا أنا اللي انت عايزه .. لكن بنتي هند لاء بنتي هند لاء أرجوك "..

 

منير يتحدث وهو يصرخ في الهواء ويقول :

" وحياة دم مراتي اللي انت موتها انت وعدلي من غير أي ذنب . أنا هحرق قلبك علي بنتك

أنا خلاص بعد ساندي  مش عايز حاجه من الدنيا أنا عايز اموت يا سراج .. عايز اموت "..

 

ثم يسرع منير بسيارته ومعه هند ليبتعد في ثواني عن سيارة سراج ، فيبكي سراج بحرقه ويمسح

دموعه بيده وهو ينظر إلى سيارة منير وهي تبتعد .. ثم يندهش فجأة ويصرخ وصدى صوته يهز

الجبال من حوله ويقول : .. "  لاااااا بنتي "..

 

فنظرت أنا إلى الأمام لأجد سيارة منير البعيدة قد تركت منحني الطريق وطارت تتقلب فالهواء متجهة

إلى أسفل الجبال ، فذهبت سريعاً وأوقفت الزمن فأصبحت سيارة منير اللامبورجيني زرقاء اللون ثابتة

في الهواء بوضع عكسي فكانت إطارات السيارة إلى الأعلى وسقفها إلى الأسفل ، والغبار الكثيف

والأحجار المتناثرة ثابتة في الهواء و تحيط السيارة من جميع الإتجاهات مع أشعة الشمس الساطعة

فتحركت أنا ثلاثة مرات سريعاً بحركة دائرية حول السيارة وتوقفت ببطء أمام نافذة هند من الخارج

ووجدت ملامح وجهها مليئة بالفزع والرعب عند لحظات الموت ، ثم تحركت سريعاً ثلاثة مرات حول

السيارة وتوقفت ببطء أمام نافذة منير من الخارج ، فوجدت ملامحه ثابتة ومبتسم ،  دخلت إلى السيارة

بوضعها العكسي وأصبحت خلف رأس منير تماماً ، واقتربت بنظري ” زوم “ وتخللت أنسجة رأس

منير ورجعت بالزمن داخل ذاكرته لمدة أسبوعين فقط ...

 

إلى ليلة صاخبة ، حفلة كبيرة بحديقة فيلا منير بلبنان ، موسيقى هادئة إضاءات خافتة , حضور أعداد

غفيره من الأثرياء يتبادلون الحديث وبأيديهم كؤوس الخمر والسيجار ، وكان سبب الحفل هو مفاجئة

الحضور و الأصدقاء المقربين بحمل " ساندي " زوجة منير صديق سراج وعدلي ، ذو القلب الطيب

و الوفي والذي كون ثرواته بالكسب الحلال والمشروع .وهو من ساعدهم وجعلهم أغنياء .

 

فوجدت أنا هند قادمة وهي في قمة أناقتها تقترب مسرعة وتجلس أمام امرأة وتقول :

 

" خير عايزه إيه يا ماما "..

 

نور :

"  انتي بتشربي وسكي يا هند ، وسكي هي حصلت " ..

 

تبتسم هند ابتسامه خفيفة ثم تنفجر بالضحك وتقول :

 " بتشربي وسكي يا هند وسكي .. اسمه ويسكي يا ماما ويسكي مش قهوة ساده في الحواري اللي كنتي

عايشه فيها زمان ... اتعلمي الاتيكيت بقي يا نور أبوس إيديك "..

 

نور :

" واللهي إنتي مش متربيه ، وهقول لسراج على قلة الأدب دي "..

 

تقف هند وهي تنظر يميناً ويسارا حائرة وتقول :

” ماما يا حبيبتي سيبيني دلوقتي سيبيني أنا سعيده يا ماما سعيده وهاطير من الفرح

أما في واحد اسمه عمرو عيونه تجنن ونفسي يبصلي بصه وحده بس بيهم بصه وحده " ..

 

ثم تبتعد هند مسرعه وهي تعطي لنور قبلة في الهواء ، فتنادي عليها نور مره أخرى

وتقول :

" هند هند تعالي هنا يا بنت مين عمرو ده فهميني "..

 

هند :

" هاقولك بعدين هاقولك بعدين ".. تبتعد هند لتختفي وسط الحضور .

 

وأجد سراج وعدلي من بعيد يتبادلان الحوار ثم يتجهان ويدخلان الفيلا ، فذهبت أنا وراءهم ، وكانت

الفيلا من الداخل لا يوجد بها أحد غير سراج وعدلي وثلاث عاملات فقط ، فتوجه عدلي وسراج إلى

غرفة كبيره من الواضح أنها غرفة مكتب منير وأغلقا الباب خلفهم ثم توجه عدلي وجلس على كرسي

المكتب وجلس أمامه سراج ، فأخرج عدلي من معطفه علبة سوداء صغيره وفتحها واخرج منها أنبوب

شفاف صغير ، ووضع على المكتب ثلاثة خطوط من الكوكايين وأستنشقهم سريعاً ، ومسح أنفه بظهر

يده ثم نظر لسراج وقال :

"  النهارده يا سراج ، النهارده سامعني ، ودلوقتي حالاً يا سراج دلوقتي حالاً " .

 

سراج :

 ” اهدا بس يا عدلي اهدا ووطي صوتك وانا هعملك اللي انت عايزه انا أول مره اشوفك كده يا أخي

توترك باين عليك قوي قدام الناس امسك نفسك شويه "..

 

يقف عدلي وهو متوتر ومنفعل يشعل السيجار ويدب بيده على المكتب بشدة ويقول :

 دي حامل يا سراج ، حامل والكلب عاملها حفله بملايين علشان هي حامل وبيغظني

 طب ما أنا ممكن كنت ادتها فلوس وكنوز العالم وعاشت معايا أنا "..

 

يقف سراج ويقول :

” يا عدلي ما انت عارف احنا كنّا فاكرين الفلوس ممكن تشتري الناس وتشتري الحب فثانيه

بس في ناس زي  ساندي هما اللي بيدوا دروس قاسيه للي بيتعامل معاهم بالطريقه دي

 وأنت خدت درس واتعلمت " ..

 

عدلي :

 " هانموتها دلوقتي سامعني .. هانموتها "..

 

يبدو أن عدلي وسراج قاما بقتل  ساندي  الحامل زوجة منير وحبيبة عدلي سابقاً

وأنا لا أريد أن أعرف كيف تم قتلها ، فهم محترفين و بارعين مُنذ صغرهم في عمليات القتل والنهب

والسرقة ، ولكن تلك المرة لم تأتي على هواهم وقد علم منير من قام بقتل زوجته ساندي  وأراد أن ينتقم

وكانت الضحية هند .

 

انتم مفضوحون مفضوحون يا بشر أنتم مساكين لا تعلمون ، فحياتكم وتصرفاتكم وأسراركم الملعونة

المخفية الغير جاهرة كالبيت المصنوع من الزجاج الرقيق النقي الشفاف ، ولشدة نقائه يراكم كل من

يعبر بالخارج بجوار بيتكم الزجاجي ، فخالقي وخالقكم يراكم ، والجن والملائكة تراكم ، وآلاف آلاف

آلاف المخلوقات الإلهية الربانية المسبحة لخالقي وخالقكم تراكم ، وأنا أراكم وغيري يراني وأنا لا أراه

ويراكم ، وأفعالكم وضمائركم وماضيكم وحاضركم وأعضاء أجسادكم ستشهد عليكم في يوم وتقول نعم

كنا نراكم ، فهي مستويات و درجات و قوانين ربانيه وضعت بعناية ودقة ، وأين تكون هي درجاتكم من

كل هذا يا بشر يا أصحاب الغطاء المكشوف ..

 

فأنتم .. أنتم لم تروا إلا أنفسكم المريضة ، فسراج يري عدلي وعدلي يري سراج ، مرآة لوجه واحد

قبيح ، فكان القتل وإزهاق الأرواح بالنسبة لهم هو بناء المشافي للفقراء والمساكين ، وكانت السرقة

والنهب هي إطعام الفقراء والمساكين ، وكان التباهي بالأموال والمناظر والمظاهر الكاذبة هي فعل

الخير و لمسة يد حانية على رأس يتيم .. فأفعالكم جعلتكم تمجدون بعضكم وتخيفون بعضكم

وتستضعفون وتستقوّن بعضكم ، وتكتمون السر وتخافون أن ينكشف أمام بعضكم ، فتعيشون الحياة

داخل دوامة غبية ملعونة بينكم وبين بعضكم ، تنسون من هو خالقكم الذي يراكم والذي حذركم أن تقتل

نفس بغير حق و أوصاكم أوصاكم أوصاكم على بعضكم .

 

***

 

رجعت لمكاني خلف رأس منير داخل السيارة ، واتجهت إلى الخارج ومازالت سيارة منير ثابتة في

الهواء بداخلها منير وهند ، تحركت سريعاً ثلاثة مرات حول السيارة وتوقفت ببطء بجانبها تماماً

وتركت كل شيء يعود إلى الحركة ، فسقطت السيارة سريعاً لتصل إلى الأسفل وترتطم عدة مرات

بالصخور ثم تثبت دون أن تنفجر ، فتخرج هند من السيارة بهدوء وهي تنزف بشده من أماكن متفرقة

بجسدها، وتنادي على سراج ، ثم تنظر بدهشة وتجد ذراع منير الأيمن فقط وبدون الجسد عالق ومقيد

بالحديد ومتصل بذراعها الأيسر المقيد بالحديد أيضا ، فتصرخ هند وتصاب بحالة فزع وتوتر وتشنجات

لمدة ثلاث ساعات ، حتى وصل سراج والإسعاف بصعوبة إلى مكان الحادث الوعر ، وقام بضم هند إلى

صدره وهو يصرخ ووجهه ملطخ بدمائها .

 

رجعت لموضعي الأصلي خلف رأس هند وسط غرفتها ، وتحركت سريعاً حول رأسها ثلاث مرات

وتوقفت ببطء أمام وجهها وتركت كل شيء يعود للحركة ، فأكملت هند ترتيب شعرها واتجهت إلى

السرير ثم استلقت عليه وسحبت الغطاء فوق جسدها وأغمضت عيناها .

 

اخترقت نسيج الحائط لغرفة هند وتركتها وانطلقت مسرعاً لاختراق نسيج حائط غرفة نيفين داخل

المستشفى ، لأجدها نائمة بداخل غرفة مليئة بالأجهزة الطبية وتحت رعاية و عناية ممرضة تجلس

بجوارها وتتحدث بالهاتف وهي تتحسس بيدها وبهدوء شعر نيفين وتقول :

 

" هو ده اللي حصل زي ما بقولك يا  حمزه  واللهي واللهي مقطوعه من شجره ده حتي جدها

 اللي حكتلك حكايته هيدفن الصبح في مدافن الصدقه علشان مش لاقين أهل ليه ولا ليها ....

آه اقصد كده انا مابخلفش ويمكن ربنا جابهالي قدامي علشان تبقي بنتي وأشلها في عينيا .....

 اسمها نيفين وزي القمر ..... يعني إيه مش انت ديما تقولي بلسانك نفسنا في حتة عيل !! .

هاقول للدكتور " شريف "  ويا رب يوافق ... مع الف سلامه يا حبيبي .. تصبح علي خير " .

تغلق الممرضة هاتفها وهي هائمة من الفرح ثم تقوم بتقبيل رأس نيفين و يداها كثيراً كثيراً كثيراً ..

 

***

 

التاسعة صباحا داخل المستشفى أجد سراج وهند يتوجهان ناحية غرفة الإستعلامات ، فينظر سراج

لموظفة تعمل بمكتب الإستعلامات ويقول :

”من فضلك غرفة الطفلة نيفين اللي وصلت امبارح العصر غرفه رقم كام " ..

 

الموظفة :

" ثواني يا فندم وهقول لحضرتك ..... الطفلة نيفين غرفه رقم 110 الدور الثالث "

 

سراج :

" متشكر جدا ... آه صحيح نسيت أسألك ممكن أعرف فين قسم الحسابات من فضلك "

 

الموظفة :

"  بصراحة يا فندم انت لو بتسأل علشان تدفع حساب ، الدكتور  شريف هو اللي تكفل بكل

حاجه علي حسابه الشخصي " ..

 

سراج :

" دكتور شريف ! ... دكتور شريف مين ؟ .." ..

 

الموظفة :

 ” دكتور شريف هو المسئول عن قسم أمراض البطن وجراحة المناظير ، ولما عرف إنها

حالة إنسانية متأخرش ، وهو بصراحه ما بيصدق يلاقي حاله إنسانيه علشان يساعدها ومابيتأخرش "..

 

سراج :

” ممم .. طب بقولك إيه ممكن أقابله حالاً ، علشان ورايا شغل من فضلك ووقتي محسوب "..

 

الموظفة تتصل بدكتور شريف وتقول لسراج :

"  هو منتظر حضرتك بمكتبه في الدور التاني " ..

 

يصل سراج وهند إلى مكتب الدكتور شريف فتقول هند :

" انا هروح أشوف نيفين أنا يا بابا " .. وتذهب

 

يجلس سراج مع دكتور شريف وبعد الترحيب والحديث الطويل

 ينظر دكتور شريف إلى سراج ويقول :

" بصراحه يا سراج بيه .. انا حاولت أنقذ ما يمكن إنقاذه ، البنت المسكينه دي أيامها معدوده قدمها

بالكتير شهرين أو تلاته ربنا معاها و يتولاها "..

 

أجد هند قادمة ويبدو على وجهها الغضب تقف أمام سراج وتقول :

 " يا بابا في ممرضه فوق قالتلي هي اللي هتاخد نيفين ومتعصبه قوي كأني خلاص البنت بقت بنتها

انت مش قولتلي احنا اللي هناخدها " .. تنظر هند إلى الدكتور شريف وتقول :

" هي هتبقي كويسه امتي يادكتور علشان تيجي معانا "..

 

سراج :

 " هند من فضلك اقعدي لحد ما أخلص كلامي مع الدكتور .. مين الممرضه دي يا دكتور شريف

وفعلاً هي عايزه تاخد نيفين وتتبناها " ..

 

الدكتور شريف :

" واللهي يا سراج بيه زي ما انا فهمتك حالتها ووجودها فالمستشفي لا هيقدم ولا يأخر

وفعلاً كلمتني الممرضه ريم  وقالتلي إنها عايزه تتبناها هي وجوزها علشان هي بتعاني من العقم

بس انا فهمتها الحاله ، وقالتلي انا بعمل لله ولو البنت عاشت عاشت ولو ما عاشتش يبقي عمرها

وقدرها ومصممه إنها تاخدها بأي طريقه "..

 

سراج :

" طيب ممكن من فضلك دكتور شريف تخلي الممرضه ريم دي تيجي علشان عايز أتكلم معاها

 

الدكتور شريف يطلب الممرضة ريم ثم يقف وينظر لسراج وهند ويقول :

” هي جايه حالا لحضرتك سراج بيه .. معلش انا بعتذر علشان ورايا حاله لازم أسيبك دلوقتي

 عايزك تعتبر المكتب مكتبك .. بعد إذنكم " ..

 

يخرج دكتور شريف من المكتب وتدخل الممرضة ريم ، فتنظر لها هند بغيظ ، ثم يطلب سراج

 من ريم أن تجلس أمامه ، فتجلس ريم ..

 

سراج :

" إنتي فعلا عايزه تخدي البنت بعد ما عرفتي حالتها يا مدام ريم ومصممه زي ما الدكتور

شريف قال "..

 

ريم :

" أيوه يا فندم مصممه انا متجوزه بقالي سبع سنين بس مافيش نصيب إني أخلف لإني مصابه

بالعقم ، وانا حاسه إن البنت لو فضلت معانا المده دي هتعوضني عن السبع سنين اللي اتحرمنا فيهم

من الخلفه انا وحمزه جوزي ، وغير كده انا بعمل خير ، وانت عارف يا فندم لما الواحد بيقدم الخير

وبيمد أيده و يساعد حد بيبقى الإحساس عامل ازاي ... وانا عارفه ومتأكده إن كل خطواتك خير في

خير وبتعمله وبتقدمه لناس كتير نظرتي ماتخيبش ، بدليل إنك موجود وبتساعد نيفين "..

 

يقف سراج وهو يبتسم بكبرياء ويقول :

" ياه يا مدام ريم أنتي هاتقوليلي على عمل الخير وإحساسه ، ياما .. ياما عملت خير في حياتي

 انتي فكرك اللي موقفني على رجلي ده إيه غير عمل الخير ، وبعيداً عن عمل الخير انا عايز أقولك

 حاجه مهمه ومش عايزك لا تفرحي ولا تحزني ولا تنفعلي ، ده الكارت بتاعي انا هستناكي بكره

علشان هكتبلك شيك بنص مليون جنيه ، يوقفك علي رجلك شويه انتي وجوزك بس بشرط

 مش عايز أعرف عنك ولا عن جوزك ولا نيفين أي حاجه نهائي ، حتى لما ربنا يفتكرها

 علشان انا ورايا اشغالي ومافيش ولا ثانيه افضلها ، هستناكي بكره يا  ريم

 شكرًا و اتفضلي علشان مش عايز أعطلك "..

 

تأخذ ريم الكارت وتخرج من الغرفة بهدوء ثم تقف هند وهي غاضبة بشده وتنظر لسراج بإستغراب

وتقول :

 " يعني إيه هاتديها نيفين يا بابا يعني إيه .. وبعدين إيه عمل الخير اللي انت عاملته في حياتك

انا طول عمري ومن ساعة ما وعيت على الدنيا وانا عايشه ما بين دم وقتل وسرقه ومحاكم

وتحقيقات واعترافات وزفت

ده انا كنت هاضيع منك في يوم من الأيام و بسببك انت

 ليه تقول الكلام ده وليه تكدب ؟.. ليه .. ليه "..

 

يغضب سراج ويصفع هند بشدة على وجهها  ” اخرسي “..

 

تضع هند يدها علي وجهها وتنظر إلى عين سراج مدة طويلة يتخللها الصمت والهدوء فتتساقط دموع

عيناها شيئا فشيئا وهي ترجع إلى الوراء بهدوء وتخرج مسرعه من الغرفة .


 ***

2-    الذهاب إلي المستقبل   " الأعلي تصويت خمسه وثلاثون اَلف قاريء "

3-    تجعله يتحدث إلي الناس وتتحدث الناس إليه


الجزء الرابع 

 

يغضب سراج ويصفع هند بشده على وجهها  ” اخرسي “..

 

تضع هند يدها على وجهها وتنظر إلى عين سراج مدة طويلة يتخللها الصمت والهدوء فتتساقط دموع

عيناها شيئا فشيئا وهي ترجع إلى الوراء بهدوء وتخرج مسرعه من الغرفة .

 

يجلس سراج مرة أخرى وهو متوتر ويقوم بفك ربطة العنق ثم يمسك بهاتفه ...

 

تركت أنا سراج وتوجهت سريعاً لكي أعرف أين ذهبت هند ، لأجد سيارة سراج منتظرة بالمرأب الخاص

بالمستشفي وبداخلها السائق فقط ، لكن أين هند !.

 

تحركت سريعاً خارج المرأب والمستشفى أبحث بالطرقات المجاورة فلم أجدها . فرجعت إلى المستشفى

وإلى غرفة نيفين لأجد هند جالسة فوق السرير بجانب نيفين ، وهي تبكي وتقبل رأس نيفين ويدها الصغيره

وكانت نيفين غائبة تماماً عن الوعي ، فقامت هند بخلع سلسلة الماس من عنقها ووضعتها حول عنق نيفين

وقامت بربطها و بتقبيل رأسها مرة أخرى بهدوء ثم وقفت لتتجه خارج الغرفة وهي تبكي

وتوقفت مرة أخرى لتنظر إلى وجه نيفين . وقبل خروجها من الغرفة وجدت الممرضة ريم أمامها وهي

تقول لها :

 " مسكينه صح .. ربنا يقدرني لو طول في عمرها واخليها إسعد إنسانه في الدنيا .. أصلي أنا يا أنسه

هند مش بصدق كلام الدكاتره خالص ، هو في حد يعرف النصيب والقدر والعمر فين غير ربنا " ..

ربنا “..

 

تنظر هند وعيونها دامعة إلى ريم وتقول :

" من فضلك يا مدام ريم لو ربنا طول في عمرها ابقي قوليلها كان ليكي اخت اسمها هند كانت هتحبك قوي

وهاتشيلك في عينيها لو كانت معاكي وكنتي معاها ... عن إذنك " ..

 

تخرج هند من الغرفة بهدوء ، ثم تنظر الممرضة إلى نيفين وتتجه لتجلس بجانبها وتقوم بتقبيل كف

نيفين وهي تبتسم حالمة بالأمومة ، ثم تندهش فجأة وتجد سلسلة الماس حول عنق نيفين ، فتترك يد

نيفين محدثة بالها وتقول :

 ” يا نهار اسود هي الهبله اللي اسمها هند دي سابتلك انتي السلسه دي ، دي ماتقلش عن مليون جنيه

دي اكتر من اللي كان هيكتبهم أبوها باسمي بكره ، دي عيني كانت هتطلع عليها وهي بتكلمني وحاطه

ايديها في وسطها ومعوجه " ..

 

ثم تقوم ريم بفكها عن عنق نيفين بترقب وحذر لتضعها بداخل معطفها سريعاً ..

 

تركت أنا غرفة نيفين وتوجت إلى غرفة دكتور شريف لأجد دكتور شريف مع سراج يتبادلون الحوار

ولكن بدون هند ، فتركت الغرفة ، وذهبت سريعاً للمرأب ولم أجدها ، فتوجهت خارج المرأب ، لأجدها

تعبر الطريق المزدحم بالسيارات أمام المستشفي مع أصوات أبواق السيارات المزعجة . عبرت هند

الطريق بصعوبة وتوقفت بجوار شجرة بعيداً عن الإزدحام والأصوات ، وأخرجت هاتفها وقامت

بالاتصال بأحد ..

 

هند :

 " ايوه يا عمرو ، انا صاحيتك ..... لاء لاء انا عايزاك تجيلي دلوقتي من فضلك .... حالة إيه

اللي جاتلي .. وبعدين انت بقالك يومين بتكلمني بطريقه كده غربيه ومش عارفه إيه السبب ....

أيوه مستنياك تجيلي حالا .. ماعرفش انا فين ، جى بى اس تراكر باي " ..

 

تمر عشرة دقائق ويأتي عمرو بسيارته الفارهة ويتوقف تماماً أمام هند ، فتصعد هند إلى السيارة

وتغلق الباب ، دخلت أنا معهم لأجد عمرو ينظر إلى هند وكأنه يريد قول شيء .

 

فتقول هند :

" إيه الإسلوب و ألطريقه اللي بتكلمني بيها دي بقالك كام يوم ... وبعدين إيه حاله دي ، انا بتجيلي

حاله يا عمرو ولا جاتلي حاله قبل كده ! .. ما تنطق  "..

 

عمرو :

هند يا حبيبتي انا مش قصدي ... انا قصدي العصبيه والنرفزة  انا عارف إن المشاكل اللي ما بين

مامتك وباباكي هي السبب وياريت ينفصلوا بقي  ويطلقوا علشان أرتاح " ..

 

هند :

" إيه اللي بتقوله ده انت اتجننت ... في إيه يا عمرو انت مش طبيعي وعايزه أفهم في إيه "..

 

عمرو :

" انتي عايزه تروحي فين دلوقتي . بيتك ولا تيجي عندي البيت "..

 

هند :

 " انا خلاص مش هروح البيت تاني نهائي ولا عايزه أشوف أبويا ولا عايزه أشوف أمي “..

 

عمرو :

 ” ممم يبقي عندي البيت " ..  تزداد سرعة السيارة على الطريق متجهين إلى منزل عمرو .

 

***

 

تصل السيارة وتقف بجوار حديقة الفيلا وينزلان ويتجهان إلى الداخل ، ثم يتجه عمرو لصعود الطابق

الأعلى ويقول :

" هند هاخد شاور عالسريع  قهوه من فضلك يا هند قهوه عايز افوق وافوقلك "..

 

ثم يكمل عمرو ويصعد السلالم ، وهند تنظر له بتعجب واستغراب لطريقته بالحديث معها .

ثم تبدأ تتحرك وتتجه إلى المطبخ لعمل القهوة ، لتفاجأ بفتاة أمامها تنظر إليها من الأسفل إلى الأعلى

وتقول :

" انتي هند صح ، بس انا مش شايفه تشوهات ولا أي حاجه زي ما عمرو بيقول .. دا انتي زي

القمر " ..

 

هنا تناهى إلى سمعي شيء فتركت هند والفتاة لأذهب بعيداً وأقف أمام التلفاز تماماً ...

 

التلفاز :

 ” كما أوضحت وكالة الفضاء العالمية ناسا من المحتمل أن تضرب العاصفة الجيومغناطيسية

الأرض اليوم أو غد ، وحذرت من تأثيراتها على بعض الكائنات الحية والتشويش على جميع شبكات

الكهرباء وأنظمة الرادارات وجميع الأنظمة الملاحية بالطائرات وأجهزة الجي بي آس وخلل بالبوصلة

المغناطيسية لملاحة السفن ، والتشويش والتأثير العام بالتكنولوجيا على الأرض ، كما أدت عاصفة

شبيهة لها عام 1989 إلى عطب قمرين صناعيين معنيان بالاتصال مما أدي لتعطيل خدمات الراديو

والتليفون بجميع أنحاء كندا ، وأدت عاصفة أخرى عام 1994 بتعطيل شبكة طاقة رئيسية بكندا لتصل

الخسائر حينها بمئات الملايين من الدولارات " ..

 

ثم سمعت أنا صوت هند وهي منفعلة فتركت التلفاز واتجهت إلى هند لأجدها واقفة أمام عمرو بدون

وجود الفتاة وهما يتبادلان الحوار بحدة ونرفزة ..

 

هند :

" مين ريجان دي فهمني وانطق .... دي كأنها بتيجي هنا كل يوم وعارفه كل حاجه فالبيت ومش

محترماني في طريقة كلامها معايا ، وكمان انت قولتلها إني جسمي كله مشوه ... منك لله يا عمرو

منك لله "..

 

تخلع هند الدبلة وتقذف بها على وجه عمرو ، وتصاب بنوبة بكاء شديدة ، ثم تتحرك سريعاً متجهة

لناحية الباب لتخرج ، فيلحق بها عمرو ويمسك بذراعها وينظر لوجهها ويقول :

 " هند اسمعيني واهدي اسمعيني

في حاجه كنت مخبيها عليكي وتعبت من الكدب والنفاق وتعبت إني أخدعك اكتر من كده ، مامتك نور

هي اللي خلتني أجي وأظهر في طريقك من ست شهور ... ريجان دي خطيبتي قبل ما اخطبك ولسه

خطيبتي ... انا تعبت كل يوم من المشاكل ما بيني وما بينها بسببك ، وهي كانت عارفه واستحملت كتير

انا مليش ذنب يا هند ، أبوكي وأمك هما السبب وماعرفش بيفكروا ازاي ، أبوكي كان بيديني كل شهر

تلاته مليون علشان أجبلك بيهم هدايا وتحسي بإهتمام مني ، بس انا بقولك الحقيقه دلوقتي علشان مش

عايزك تعيشي في وهم وعلى أمل وأكون انا صريح معاكي و مع ربنا "..

 

هند بذهول :

 " يعني إيه أمي جابتك في طريقي !  ويعني إيه خطيبتك !  ويعني إيه ابويا بيديك تلاته مليون كل شهر

يعني أنا ماليش لا ام  ولا أب  ولا عمرو .... يعني مليش حد فالدنيا يا عمرو .. ماليش حد

منكم لله منكم لله منكم لله  " .

 

تذهب هند إلى المطبخ وتحضر سكين وتقول لعمرو

" لو اتحركت وجيت ورايا هموت نفسي في ثانيه اياك تتحرك من مكانك "..

 

تخرج هند مسرعة وتترك عمرو ، فيمسك عمرو برأسه لا يعلم كيف يتصرف حائر و عاجز عن التفكير

ثم يجلس  ..

 

***

 

خرجت هند وكنت أمامها انظر إليها ، فكانت ملامح وجهها مليئة بالحزن ، كانت مصدومة تبكي بشدة

و حائرة تنظر حولها تشعر بالوحدة ولا تعلم إلى أين تذهب وماذا تفعل ، فقابلت في طريقها سيدة فقيرة

تجلس فوق الرصيف وحيدة هي الأخرى لا تبالي لبرودة الشتاء الكئيب تنتظر الرزق يأتيها من السماء

فنظرت هند إليها وانخرطت فالبكاء الشديد ثم أسرعت بخطواتها ترتعش من الخوف و ترى بخيالها

وجه نور و سراج و عمرو كطيف ممتزج مع وجه الفقيرة .. لا تعلم من المسكين ومن الشرير

من الثري ومن الفقير من الملاك ومن الشيطان . تخيلت أن الفقيرة تضحك وهي تحمل لها سكين

تريد أن تصيبها به في جميع أجزاء جسدها  ...

 

مازالت هند تسرع بخطواتها وحيدة خائفة ، وبدأت أثناء سيرها المرتبك بخلع معطفها وتركته على

الأرض ، ثم قامت بخلع كل قطع الماس واحده تلو الأخرى وألقتها على الأرض وهي منهارة مشتتة

التفكير منكسرة ... ثم توقفت مدة يتخللها السكون عن الحركة ونظرت إلى الخلف وإلى الفقيرة وإلى

معطفها وإلى كل قطعة من الماس قد ألقت بها على الأرض ، وعادت بهدوء وقامت بالتقاطهم مرة أخرى

قطعه تلو الأخرى وجمعتهم بيدها ، ثم أخذت المعطف ورجعت إلى الفقيرة ونظرت إليها وقالت :

 ” انتي اسمك إيه يا أمي .. وإيه اللي مخليكي في البرد كده ، خدي ده غطي نفسك بيه "..

 

الفقيرة بحزن :

" انا اسمي يا بنتي نسيته من سنين ... مش فكره غير اسم ولادي اللي رموني ونسيوني

اللي انا جبتهم للدنيا وخوفت عليهم من نسمة البرد ، وكبرتهم ومانستهمش طول السنين

بس هما نسيوني .. نفسي أشوفهم من بعيد يوم واحد قبل ما البرد ينهي عليا واترمي على جنب زي

اي ورقه مرميه على الارض ... انا اسمي ماما

 قوليلي يا ماما ، علشان من سنين طويله انا قعده القعده دي في نفس المكان واللي رايح واللي جاي بيديني

الرزق من عند الله ويقولي خودي يا ماما ، زي مانتي قولتيلي يا أمي كده " ..

 

تقوم هند بتدفئتها بمعطفها وتقبل رأسها وتقول :

 " يا حبيبتي يا أمي " ..

 

ثم تضع بين يد الفقيرة جميع قطع الماس وتقول :

" يارب تشوفي ولادك في يوم من الأيام "..

 

تذهب هند لطريقها لتكمل مأساة حياتها ، فتنادي عليها الفقيرة مرة أخرى وتقول :

" انتي مين يا بنتي " ..

 

تقف هند بدون النظر إليها وتقول بهدوء :

 " مش عارفه... مش عارفه " ..

 ثم تكمل سيرها وهي كارهة الحياة الكئيبة المملة الخادعة وتبتعد شيئا فشيئا عن الفقيرة

 أخيرا تقف وتنظر إلى لون السماء الملبدة بالسحب الغامقة السوداء ، ثم تخرج السكين بهدوء وتضع مقدمته

المدببة والحادة وسط بطنها وتضغط بشده ليخترق السكين أنسجة البطن بالكامل ، فتبدأ الدماء تتساقط ببطء

ثم يزداد النزيف لسقط علي الأرض وهي تصارع الحياة ...

 

أوقفت أنا الزمن قبل أن تترك هند الحياة بقليل فأصبح جسد هند ممدد على الأرض ونزيف الدماء

الحمراء متوقف ، واقتربت بنظري " زوم “ واخترقت أنسجة الرأس ، فرأيت بخيالها صور وأحداث

تمر سريعاً سريعاً مُنذ طفولتها مرورا بالحادثة المفزعة واعتراف عمرو لها بالحقيقة ، فأوقفت أنا

خيالها وذهبت به إلى المستقبل لمدة خمسه وثلاثون عام فوجدت الدكتورة نيفين مرتدية الأبيض جالسة

على مكتبها بداخل مستشفى خاص للفقراء ، سارحة مبتسمة تتذكر ..

 

"  قومي يا  نيفين  يابنتي شوفي أنا جيبلك إيه سندوتش حلاوة إللي أنتي بتحبيه تعالي جنبي هنا

تعالي " ..

 

" يا جدي أنا تعبانه تعبانه بطني بتوجعني جامد ومستنيه إني أموت كل يوم ومش بموت أنا ليه عايشه

كده " ..

 

" لاء لاء هزعل منك يابنتي ليه تقولي كده ، حرام عليكي تقولي الكلام ده ، أنتي بنت شطره ومتدينه

أنا قربت أحوش ألفلوس خلاص وهنروح للدكتور ويعملك ألعمليه وهتكبري وتبقي دكتورة قد ألدنيا

لازم تكلي علشان خطري "..

 

ثم تدخل عليها المكتب دكتورة أخرى مرتدية ابيض وتشاور بيدها أمام عين نيفين وتقول :

 " دكتورة نيفين ، نيفين . مش بتردي عليا ليه مالك سرحانه في إيه يا دكتورة " ..

 

تعود نيفين للواقع وتنظر لصديقتها وتقول :

 " لا أبداً .. كنت بفكر في جدي يوسف ، وقد إيه الراجل ده كان طيب وبسيط وحنين

 كنت بشوف دموعه كل يوم وهو بيدعي ربنا يشفيني ، وماكونتش فاهمه حاجه ، بس كنت ببكي لما بشوفه

يبكي ودموعه تنزل "..

 

الصديقة تقول :

 " الله يرحمه ويحسن إليه .. نيفين أنا جايه اقولك إن في وحده بره اسمها هند عايزه تشوفك

 ادخلها ولا مشغولة "..

 

نيفين :

" هند !! .. هند مين ؟؟ .. خليها تدخل "..

 

ثم أجد أنا هند تدخل المكتب بنفس العمر ثلاثة وعشرون عام ، وكانت نيفين هي الأكبر وبعمر الواحد

وأربعون عام .. فنظرت نيفين إلى هند وقامت مسرعه ومتجهه ناحيتها بلهفة واقتربت هند أيضا منها

سريعاً ، ليعانقان بعضهما بشده ثم تقوم نيفين بتقبيل يد هند كثيراً وتقوم بتقبيل رأسها أيضاً .. يبدو أن

نيفين سيكتب لها الخالق العظيم العمر حتى تصبح طبيبة ..

 

***

 

رجعت بنظري لموضعي الأصلي بجانب جسد هند الممد فوق الرصيف والغارق بالدماء الحمراء المتوقفة

عن النزف وتحركت حول جسدها ثلاث مرات سريعاً وتوقفت ببطء لأترك كل شيء يعود إلى الحركة

فبدأت الدماء تزداد وتحيط بجسدها لتفارق هند الحياة مع تزايد المارة حول جثتها وهم مندهشون

مذهولون .

 

صعدت سريعاً إلى الأعلى متجها إلى المستشفي واخترقت غرفة الصغيرة نيفين بالمستشفى فلم أجدها

فذهبت إلى خارج الغرفة لأجد الممرضة ريم حاملة نيفين على كتفها ، ومتجه إلى الخارج لتأخذها معها

إلى بيتها ، ورأيت دكتور شريف قادم من بعيد وهو يبتسم لريم ثم يقوم بتقبيل يد الطفلة نيفين ويقول :

" حطيها في عينيكي يا ريم ، دي يتيمه وشوفي ربنا هيعملك إيه ، صدقيني هايفتحلك أبواب رزق كتير

ولو لحظتي أي حاجه زي ما فهمتك ماتستنيش ثانيه وكلمتني علي طول .. مع السلامه “..

 

تركت أنا المستشفي وذهبت إلى منزل سراج ولكن لا يوجد احد بالمنزل غير العاملة فقط ، تركت منزل

سراج وكنت بداخل منزل عمرو .. لا يوجد احد .. فتوجهت لحديقة المنزل لأجد سيارة عمرو تنطلق

بسرعة جنونية ، فلحقت أنا بها لأجد عمرو يقود السيارة بتوتر وبجانبه سراج يعنفه بشدة وهو منفعل

يقول :

 ” فين التراكر .. الزفت فين جهاز التعقب يا عمرو معاها ولا فين بالضبط فهمني انطق “..

 

عمرو :

"  يا عمي اهدا انا خلاص عرفت هي فين ، ثواني وهنكون عندها مش بعيده عن هنا "

 

تصل سيارة عمرو وتتوقف أمام العجوز الفقيرة تماماً وينزل منها سراج وعمرو سريعاً متجهين

ناحية الفقيرة ، فيجد سراج الفقيرة العجوز جالسه مرتديا معطف هند سارحة تنتظر أولادها لا تبالي لكل

قطعة من قطع الماس التي لا معني لها ، فيمسك سراج بعنق العجوز ويقوم برفعها إلى الأعلى لتصبح

الفقيرة العجوز في وضع الوقوف أمامه تماماً مندهشة وخائفة بين يديه وهو يقوم بالضغط علي حنجرتها ..

 

سراج بغضب شديد :

" فين بنتي هند انطقي لموتك وأنهي عليكي بأيدي فين بنتي أنطقي ردي عليا فين "

 

يحاول عمرو أبعاده عنها

 " يا عمي إهدا هاتموت . هاتموت "..

 

سراج :

" اخرس انت . إنتوا اللي زيكم ملوش لزمه شوية ناس مليين الشوارع والارصفه يسرقوا اللي

رايح واللي جاي إنتوا ربنا خلقكم ليه  ربنا خلقكم ليه ، إنتوا ولا حاجه ولا حاجه مجرد حشرات

وصراصير بين الناس  سرقتي بنتي انتي سرقتي بنتي هند  فين بنتي ردي  عليا "..

 

ثم يهدأ سراج ويفك يده شيئا فشيئا فتسقط الفقيرة لتفارق الحياة فالحال ..


***

 3-    تجعله يتحدث إلي الناس وتتحدث الناس إليه

الجزء الخامس 

 

" اخرس انت ، إنتوا اللي زيكم ملوش لزمه شوية ناس مليين الشوارع والارصفه يسرقوا اللي

رايح واللي جاي إنتوا ربنا خلقكم ليه  ربنا خلقكم ليه ، إنتوا ولا حاجه ولا حاجه مجرد حشرات

وصراصير بين الناس  سرقتي بنتي انتي سرقتي بنتي هند  فين بنتي ردي  عليا "..

 

ثم يهدأ سراج ويفك يده شيئا فشيئا فتسقط الفقيرة لتفارق الحياة فالحال ..

 

لاحظ عمرو الموقف وهو مذهول فتوجه إلى سيارته بسرعة وبدأ بتشغيل المحرك لكي يرحل

ثم نظر سراج إلى سيارة عمرو وترك كل شيء وهو مرتبك وذهب ناحية السيارة .

سراج بإنفعال وصوت مرتفع :

 

 " استناني يا حيوان انت استناني رايح فين ".

 

صعد سراج إلى السيارة فانطلق عمرو بها مسرعاً وهو متوتر، يتملكه الرعب والخوف من أفعال سراج

الغير متزنة .

 

سراج :

 " وصلني مكتبي حالا وخود خطبتك ريجان وسافر بره مصر مش عايز أشوفك فيها خالص .. سامعني "..

 

ثم يمسك سراج هاتفه ويتصل بأحد ويقول :

 " ايوه يا عدلي تعالالي المكتب فورا فورا استناني في مكتبي فوراً "..

 

تصل سيارة عمرو وينزل منها سراج مسرعاً ويغلق الباب فينطلق عمرو بسيارته بسرعة جنونية ليسمع

المارة أصوات أطارات سيارته وينظرون إلى السيارة وهي تبتعد .

 

دخل سراج غرفة مكتبه وكان ينتظره عادلي بالداخل وهو يدخن السيجار ..

 

عادلي :

" خير مالك !. هي ألَّبنت الصحفيه اللي مش سيباك في حالك عملتلك حاجه تاني "..

 

يجلس سراج ويقول :

 صحفية إيه وزفت إيه .. بنتي هند يا عدلي ضاعت مني ، بنتي هند ضاعت وانا السبب ومش عارف

راحت فين ، انا موتة وحده شحاته فالشارع انا مش شايف ومش عارف أعمل إيه وبتصرف كده ليه

 عايز هند ترجع وبس لحضني "..

 

عدلي :

" اهدا اهدا وهانجيب هند ، انت ناسي احنا مين يا سراج ... احنا اللي عملنا الفقرا واحنا اللي عملنا الأغنيا

واحنا اللي بنعرف نجيب حقنا كويس واللي ضايع مننا... هند هترجع وتبات في حضنك أطمن يا سراج ..

 انا ماعرفش الحكايه إيه ومش عايز أعرف ، احنا ورآنا شغل وكل ثانيه محسوبة مش فاضيين للكلام ده

يظهر الشُعَاع الأبيض اللي انت شوفته فالمستشفي لِسَّه بيظهرلك ومخليك متوتر "..

 

سراج بتعجب :

 ” إيه اللي بتقوله ده !! .. شعاع ابيض إيه ؟.. "..

 

يقف عدلي ويتحرك ويذهب وينظر إلى الخارج من نافذة الغرفة وهو يتحدث

" الشُعَاع الأبيض اللي انت قولتيلي عليه واللي خلاك تساعد الراجل العجوز والبنت الصغيرة "..

 ثم يعود بخطوات هادئة ويجلس مره أخرى أمام سراج .

 

سراج :

" انا قولتلك إن فيه شعاع ابيض خلاني أساعد الراجل العجوز والبنت انا قولتلك كده  !.. “..

 

عدلي :

" آه قولتيلي كده ومش ناسي كلامك وفكره .. بس انا خايف عليك وعلى عقلك

شكلك جالك زمايهر يا سراج " .

 

سراج :

 " اسمه زهايمر يا عدلي الزهايمر ، هي دروس الإتيكيت والبروتوكول في التعامل مع الناس اللي كنّا

بناخدها طول السنين دي كلها نسيتها ولا إيه ... وبعدين انا . انا واثق إني ماكلمتكش في حاجه زي كده

نهائي انا واعي للي انا بقوله "..

 

***

 

دعوته فإستجاب ، حقا أنت الخالق العظيم حقا أنت المجيب ، فانا أعلم انك خلقتي أبيض نقي ودعوتي

 تستجاب . وقبل أن أنطق بها أنت تعلم ما بداخلي فهي عندك تستجاب .

 

ومتى .. متي أنتم تكفون عن الشر وتصبح قلوبكم بيضاء نقية وتنطقون كلمة الحق وتتقون الله لتصل

دعواتكم إليه دون حواجز و هي تخترق السحاب ، فأنا خلقت أسبحه واحمده مثلي مثل ثائر المخلوقات

و ملايين الكائنات الأخرى فالكون ، فكانت أيامي ومائات سنيني في ليل القمر المظلم لن تمر بها لحظة

واحدة دون التسبيح بحمده وشكره وتعظيمه وتمجيده . ولكن بعد ما جئت إليكم .. إلى كوكبكم .. كوكب

الأرض .. تضاعف التمجيد والحمد والشكر والتكبير والتعظيم إلى خالقي الله الواحد الأحد ، تضاعف لأنني

رأيت بعيني كم أنا بالفعل كنت محظوظ ، وكم أنتم بالفعل تائهون متخبطون بأعمالكم وسجلاتكم المليئة

وكان حديثي حديث يدار ما بيني وما بين نفسي ، وإن تحدثت إليكم بصوت مسموع فإدرككم وعقولكم

لن تستوعب ، وستظلمون بتفكيركم المخلوقات الأخرى المسبحة إلى الخالق العظيم ك الملائكه والجان

 وتدعوني بها ، فأنا لا أتأثر أو أؤثر أو أظهر أو أتحدث لكم بصوت مسموع .. فهذه هي كانت صفاتي

وبعد إكتسابي شيئاً من الشعور و رؤية سراج لي دعوت الخالق أن أبقى على صفاتي الأساسية كما هي

إلى يومي الأخير ويوم فنائي واِستجاب لي الخالق العظيم .

 

***

 

أجد سكرتيرة سراج بعد الإستئذان بالدخول والسماح تتقدم ناحية سراج ..

 

السكرتيرة :

" سراج بيه في وحده اسمها ريم عايزه تقابل حضرتك ادخلها ولا اخليها لحد ماتخلص مع عدلي بيه "..

 

سراج :

 " ريم !! .. خليها تدخل "..

 

تدخل ريم بهدوء وتقول :

"  سراج بيه انا أسفه إني جيت من غير معاد ... أنا أخدت نيفين خلاص وهي عندي فالبيت ..

بس ليا طلب عند حضرتك وأسفه جداً ... ممكن تكتبلي الشيك ألنهارده علشان البيت مافيهوش ولا مليم

وعلشان اقدر أجيب حاجات للبنت الصغيرة دي "..

 

يقف سراج ويقترب من ريم وينظر إلي وجهها  :

" اولاً انتي جيتي من غير معاد وثانياً انا ماكونتش هكتبلك أي شيك انا مش مسؤل عنك ولا عنها

ولا عن جوزك علشان أصرف عليكم ، انا كنت عايزك تخديها وخلاص علشان أريح دماغي وانسى

الموضوع ..... اطلعي بره واياكي تيجي هنا تاني اطلعي بره  "..

 

تندهش ريم وترتجف خوفا وتخرج مسرعة ..

ذهبت أنا مع ريم حتى وصلت خارج البناية بخطواتها السريعة وهي تلتفت إلى الوراء من حين لآخر

 ثم ابتعدت عن البناية وتوقفت .. أخرجت من معطفها السلسة الماس ونظرت إليها وابتسمت

وأعادتها مره أخرى بداخل معطفها ، وتوجهت في طريقها إلى منزلها ..

 مازلت أنا مع ريم ، أرقبها حتي وصلت إلي البيت ودخلت ، ودخلت معها

وبدون سابق إنذار أو تعبيرات على وجهها نظرت إلى زوجها حمزة وقالت :

" طلقني يا حمزه انا جبتلك ألبنت اللي بتحلم بيها عايزه اطلق علشان ماتعايرنيش كل شويه إني مابخلفش"..

 

حمزه :

" انتي اتجننتي يا ريم اطلقك !!.

 إيه اللي انتي  بتقوليه ده .. وبعدين انا عمري عايرتك ولا جبتلك سيرة الخلفه "..

 

ريم :

" من غير كلام كتير طلقني بالتلاته حالا "..

 

يقف حمزه وهو مستغرب و مندهش :

" انتي فكره الكلمة دي سهله ، انتي أول مره تبقي كده في إيه مش فاهم .. وبعدين مين يطلب

الطلاق قبل مين .. انا ولا انتي .. انتي آه مابتخلفيش وعمري ماتكلمت فالموضوع ده وبحبك

 وهافضل معاكي لحد ما اموت "..

 

ريم تزداد إنفعالا وتصرخ بصوت مرتفع :

 " بقولك طلقني بالتلاته انت مش سامعني خلاص وكمان بقيت أخرس طلقني بالتلاته دلوقتي 

مش طايقه أشوفك قدامي “..

 

حمزه :

" انتي طالق طالق طالق يا ريم خلاص ارتحتي .. وبعدين الذنب اللي انتي جبتيه لحد البيت هنا والبنت

الصغيره دي هعمل معاها إيه ، انتي عارفه إن البيت مافيهوش ولا مليم ، وانتي جبتي البنت اليتيمه دي هنا

حرام عليكي يا شيخه مين اللي هايشيل ذنبها دلوقتي انا ولا انتي هاتخديها ولا هاتسبيهالي .. انا مش عايز

 أتحمل ذنب مش عايز ذنب "..

 

ريم :

" لاء هاسبهالك يا ابو العيال آه نسيت .. لو البنت دي ربنا طول في عمرها ، ابقي كلمها عني وقولها كان

ليكي ام كانت هاتيشلك في عينيها وتحبك قوي لو كانت معاكي وانتي معاها ، انا كرهت ايام الفقر معاك يا

 حمزه وخلاص هودعها  "..

 

تخرج ريم من البيت وتغلق الباب خلفها بشدة ،

ثم يجلس حمزة وهو مستغرب متعجب سارحاً مع نفسه لوقت طويل ثم يقف

ويذهب إلى غرفة نيفين ويجلس بجوارها فتفتح نيفين عيناها بهدوء وتقول :

 

" عايزه سندوتش حلاوه يا جدي انا جعانه "..

 

حمزة :

 ".. سندوتش إيه يا حبيبتي "..

 

نيفين :

" يا جدي سندوتش حلاه اللي انت بتجبهولي على طول "..

 

يقف حمزة ويقول :

" حاضر حاضر من عينيا الاتنين ، بس انا مش جدك يا حبيبتي انا بابا حمزه ، هاروح .. هاروح

أشتري الحلاوه بسرعه ماتخفيش هرجع على طول .. ماتخفيش يا نيفين يا حبيبتي "..

 

يذهب حمزة ليشتري الحلاوة ويترك نيفين وحيدة تغمض عيناها وتغيب عن الوعي ثم تعود وهي تتحدث

وتبتسم .

 

نيفين :

 " بس يا جدي بقي بطل هاموت من الضحك .. يا جدي يوسف بطل .. لاء لاء ماتبوسنيش علشان شعر

دقنك بيشوكني ... يا جدي بطل مش قادره اضحك "..

 

يعود حمزه ومعه الحلاوة وهو يبتسم ويجلس بجوار نيفين بهدوء ويقول :

” نيفين يا حبيبتي انا جبتلك الحلاوه قومي معايا  يالا علشان تكلي

 نيفين يالا يا حبيبتي .... نيفين نيفين ...... نيفين "..

 

***

 

حقا لا يعلم الغيب إلا أنت وحدك يا الله ، فأنا لا اعلمه وأنتم لا تعلّموه ، فلا تتفننوا بكلماتكم مع الغير

 وبإدعاءاتكم الكاذبة بينكم وبين بعضكم بعلم الغيب ، فلا مستقبل تذهبون إليه ، إنه طريق مسدود ، فهو

سيأتي إليكم في يوم ليصبح حاضر ملموس فيعبر ويمر خلال أيامكم المعدودة ليصبح لكم ماضي ، لا تنطقوا

بالكذب لا تنطقوا بالكذب فانا رأيت فأنا رأيت ورأيت ورأيت على أرضكم يا أرض الإنسان ..


رأيت الطيب يظلمه الكثير  رأيت لغني يهين الفقير

رأيت عقول لن تكف أبداً بالإيذاء عن التفكير

رأيت التبذير رأيت البخل بعينه ورأيت أفعال الشرير

رأيت الحروب تحاصر وتبيد كل ما هو جميل بالتدمير

رأيت ألبعض إلى البعض يحددون العمر ويخططون ألمصير

رأيت اليتيم ألمسكين ممنوعاً منعاً باتا أن يكون له بالمشافي سرير

أنسيتم من هو العلي الخبير العظيم الكبير

فوداعاً وداعاً وداعاً .. يا دنيا الأثرياء و الفقير .



النهــــــــــــــــــــــــــايــــة

دمتم بخير : محمد فيوري


خيال علمي
يناير 12, 2021
0

تعليقات

Search